أحدث الموضوعات

لنرتقي...



قرب حينا تم إنشاء مستوصف صغير، فبعدما كان أهل الحي من نساء و رجال يقطعون مسافة ليست بالطويلة و لكنها تكون شاقة بالنسبة للمريض للوصول إلى المستوصف الموجود بحي أخر، و إن وصل هذا المريض فسيجد المكان يعج بالمرضى المنهالين عليه من الأحياء المجاورة كحال حينا، و يصطف معهم في طابور طويل، و بعد ساعات من الانتظار تخرج ممرضة و تقول لمن لم يحن دورهم بعد، ان الوقت انتهى و عليهم العودة غدا، و هكذا دواليك حتى يمر أسبوع أو أكثر حتى يصل دور مريضنا الذي ربما قد يأتيه الشفاء من الله الشافي قبل أن يحين دوره، فهذه كلها عوامل و أسباب أدت إلى التفكير بإنشاء مستوصف بحينا، كانت بادرة جيدة وطيبة من المعنيين بالأمر لالتفاتهم  بنظرة إصلاح و إدماج بحي يعاني من التهميش، فرح أهل الحي بالمستوصف وما سيقدمه من خدمات بعدما كان الحصول عليها صعبا، لكن سرعان ما تفشى الخبر ببدء عمله حتى أصبح كل أهل الحي يلجؤون إليه بصغيرهم و كبيرهم، رجالهم و نساؤهم، ذات يوم مرضت، أصابني صداع في رأسي يعقبه التواء في معدتي ، فكرت أن أذهب للمستوصف للحصول على بعض النصائح من الطبيب الذي يعمل هناك ، كانت الساعة العاشرة صباحا ، الجو معتدل و ربيعي ، عند دخولي المستوصف تفاجأت بعدد كبير من الناس ، تذكرت لماذا أصبح الحي يخلوا من أهله في الصباح ، أما في المساء فتكون أجواء الحي عادية ، أظن أنه استنتاج في محله للعدد الهائل من الناس الذي وجدته في المستوصف ، بدأت أنظر هنا و هناك لعلي أجد مكانا أستريح فيه ، زادت حدة الصداع في رأسي جراء الضوضاء و الصخب الذي يعم المكان، خيل إلي للحظة أنني وسط سوق أو حمام يعج بالناس كما يحدث في اليوم الذي يسبق يوم العيد، فالنساء هنا يتحدثن بصوت عال و الأطفال يصرخون و الرجال مصطفون في طابور و يتحدثون بهمس ، و معظم الرجال هناك لا يبدوا عليهم مرض ، اكتشفت بعد وهلة قصيرة أن معظمهم  لم يأتي للمستوصف لاستشارة الطبيب، بل قادتهم النساء إلى هناك ، كان هناك شخص يلبس بدلة كالتي يلبسها رجال الشرطة و يرتدي قبعة ، يحاول التدخل في حالات المشاحنات بين المرضى و أشباههم الذين قادتهم غريزتهم الجنسية ، و ينظم الطابور لكي يحصل كل شخص على دوره في رؤية الطبيب ، اقتربت منه قليلا و بادرته الحديث سائلا عن كيفية سير الأمور و مجراها ، فأجابني قائلا : أنه لم يرى من قبل مثل هؤلاء و هو في هذا العمل ما يناهز عشر سنين ، و أضاف بهمس أن بعض النساء هنا يأتين الأسبوع كله ، من أجل الحصول على الدواء ، فلسن مريضات لكن يحببن تخزين الدواء و هناك نوع آخر من النساء تأتي برفقة صديقتها ليس لديها ما تفعله في المنزل ، أما الرجال فأمرهم واضح معظمهم يأتي ليغازل النساء من أجل المواقعة ، كان لديه الكثير ليخبرني به ، لكن زادت حدة الصداع فقررت أن أرجع للمنزل ، وبينما هو يتحدث أخبرته أنني أريد الذهاب ربما أعود في وقت آخر فالصداع قد زاد و لم أعد قادرا على البقاء هنا ، عندما رآى حالتي و أعجبه كلامي خرق دور أحدهم و أدخلني لرؤية الطبيب ، لم ألبث كثيرا عنده كشف لي عن رأسي و أخبرته بما يحدث لي ، فدون لي بعض الأدوية ، خرجت و في يدي ورقة اتجهت نحو قسم مخصص للأدوية ، أعطيت الورقة لممرضة تعمل هناك فور رؤيتها للورقة أخبرتني أن هذا الدواء قد نفذ ، و بدأت تحكي لي عن ما يمر به هذا المستوصف ، كانت تعيد لي ماكان يحكيه لي رجل الأمن ، قاطعتها قائلا بأني على علم بما يجري ، شكرتها و انصرفت ، عند خروجي شكرت أيضاً رجل الأمن و عدت إلى المنزل ، جلست أفكر في ما رأيته وما سمعته في المستوصف ، و بعد صراع فكري ليس بطويل ، أدركت أن العيب ليس في نقص الموارد في هذا البلد ، بل هناك انعدام للوعي هو ما أدى إلى هذه الدرجة من الانحطاط.     

ليست هناك تعليقات